الاحتفال بالليلة الختامية لمولد السيدة سكينة

عاشت الطرق الصوفية ليلة لم يسبق لها مثيل خلال الاحتفال بالليلة الختامية لمولد السيدة سكينة.. وكان الاحتفال نموذجا مصغرا لمصر في أجمل صورها حيث المحبة والسلام والتوحد، وانشغال الجميع بأحوال البلاد ومن أهمها الازمة الاقتصادية، وتوجه الجميع فقراء وأغنياء أطفال وشيوخ رجال ونساء بالدعاء لمصر بالنصر والتوجه إلي الله لرفع الغمة عن الأمة وأن يحفظ الله البلاد.
وشهد شارع الأشراف بحي الخليفة الشعبي حيث مسجدها سرادقات المنشدين والمبتهلين والتي تستمر فيها حلقات الذكر حتي الصباح وانتشار الباعة الجائلين والخيام علي جانبي الطريق علاوة علي توزيع بعض المواطنين للحناء بل والأموال والمأكولات والمشروبات الساخنة مثل القرفة والجنزبيل داخل وخارج المقام.
وقامت سيدة بتوزيع الحناء في المقام بعد أن وضعتها في طاجن كبير وزرعت فيها الشموع وطافت حول المقام سبع مرات وقالت في ليلة الحنة عند زواجي قمت بتوزيع الحنة عند السيدة سكينة وأصبحت عادة لأنني كنت أحضر إلي مقامها قبل زواجي وأدعو الله أن يرزقني زوجا طيبا وتبركا بسيرة السيدة سكينة التي كانت تحب الفقراء وتعطف عليهم ولمكانتها من النبي محمد صلي الله عليه وسلم أحضر كل عام مع أولادي وزوجي وأوزع الحنة وأدعو الله ببركة سكينة بنت الحسين وجدها محمد بن عبدالله أن يبارك في بيتي وأولادي ولو عندي فلوس كتير «ها أكل الفقراء وأوزع فلوس زي الأغنياء ومش ها قطع توزيع الحنة» لأن ربنا جبر بخاطري بعد توزيعها وفيه ناس كتير بتأخدها من إيدي وبيفرحوا بيها أما الأغنياء فبيوزعوا اللحمة والفلوس.
وفي ساحة المسجد الخلفية أقامت جمعية نفيسة العلوم للمساعدات الاجتماعية سرادقًا ضخمًا لتوزيع الوجبة الرسمية للموالد من لحمة وفتة واستقبال الزوار، وفي جوانب المسجد تجد مجالس العلماء والصلاة علي النبي في شكل حلقات الذكر.
الطريف أن الاحتفال ساهم بشكل كبير في انعاش حركة البيع والشراء لتوافد أعداد كبيرة من مختلف أقاليم مصر وقاموا بتأجير الشقق السكنية والمحال التجارية الخالية لاستخدامها (كمقر لخدمة) الطريقة أو الأسرة بالمولد.
وشارك في الاحتفال أعداد كبيرة تتجاوز الآلاف.. والمثير أنهم لم يكونوا من طبقة بعينها بل من جميع الطوائف أغنياء وفقراء جمعهم هدف واحد هو حب آل البيت والتعايش في جو روحاني جميل والتماس البركة التي قد تخفف عنهم مشاكلهم واحتياجاتهم المختلفة سواء مادية أو معنوية علاوة علي التقرب إلي الله عز وجل بالدعاء لشفاء المرضي وزواج البنات وسداد الديون وطلب الرحمة والمغفرة للجميع.
سمي الشارع بالأشراف لأنه يضم الكثير من المشاهد الشريفة ومقامات أهل البيت وبدايته مقام ومسجد السيدة نفيسة الموجود بالميدان المعروف باسمها ثم مقام السيدة رقية والسيدة عاتكة وسيدي محمد الأنور عم السيدة نفيسة وسيدي عبدالغني البلاسي شيخ الاسلام ومفسر الأحلام محمد بن سيرين، وفي وسط الشارع يقع مسجد السيدة (سكينة) بنت الإمام الحسين وبه مقامها الذي يضم جسدها الشريف ومعها ابنتها السيدة (رباب) وينتصفه عمود حجري مغطي بقماش أخضر رائع النسيج وهو مسجد عتيق تعلوه قبة من النحاس محلاة بتاج خشبي. ويؤكد الشيخ أحمد جودة المهدي النقشبندي علي مكانة السيدة سكينة وهمتها العالية مستشهدا بأقوال العلماء
ومنهم سيدي سلامة الراضي الذي قال: «إذا أردت العلا والعزة فاقصد سكينة بنت مولانا الحسين» أما الدكتور جودة المهدي نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق فكان يقول عنها أن اسمها آمنة أو أمينة ولقبت بسكينة لتميزها بالسكون والهمة والوفاء والرضا بقضاء الله وكانت من أبرز نساء العرب شرفاً وحسباً ونسباً رضي الله عنها وعن جميع أهل البيت والصحابة والتابعين وأرضاهم أجمعين.. ويقول الشيخ أحمد أن والده وشيخة الدكتور جودة المهدي كان يحرص علي زيارة الأولياء ويقول إنهم مفاتيح الهدي وورثة جدهم المصطفي مع أهل العلم والفضل ويقول إن من نعم الله علي مصر وجود مقامات (آل البيت) فيها فوجودهم رحمة من الله لأهلها ويؤكد الشيخ أحمد رفضه لكل ما يخالف شرع الله قائلا الصوفي الحقيقي يتم تربيته علي العقيدة الصحيحة وهي منهج أهل السنة والجماعة موضحا أن التصوف روح الاسلام وبعيد كل البعد عن البدع والضلالات الدخيلة عليه والتي يشبهها بالمحرمات الدخيلة علي الاسلام.
نبذة عن السيدة الكريمة:
إنها سكينة بنت الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب جد النبي عليه الصلاة والسلام، رضي الله عنها في رجب من العام 47 هـ، ولقبتها أمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بسكينة لهدوئها وسكونها . وقد جمعت في دمها بين آثار النبوة من أبيها الإمام الحسين وجلال الملكية العربية من أمها الرباب وقد اختلف في اسمها الحقيقي أميمة، أو أمينة، أو آمنة وقيل أمية.
تزوجت رضي الله عنها من مصعب بن الزبير بن العوام فولدت له فاطمة ثم قتل عنها فخلف عليها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام فولدت له عثمان.
وكانت أمها الرباب من خيار النساء وأفضلهن. وعندما أراد أحدهم خطبتها بعد استشهاد الامام الحسين رضي الله عنه، قالت: ماكنت لأتخذ حما بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم.
ولما قتل الحسين رثته بأبيات منها:
إِنَّ الذي كان نُورًا يُستَضاءُ بهِ   بكربلاءَ قتيلٌ غيرُ مدفونِ
سِبْطَ النبيِّ جزاك اللهُ صالحةً    عَنّا وجُنِّبْتَ خُسْرانَ الموازِينِ
قد كنتَ لي جَبَلاً صَعبًا أَلُوذُ بهِ    وكنتَ تَصْحَبُنا بالرُحْمِ والدِينِ
مَن لليَتامَي ومَن للسائلينَ ومَن     يُعْنَي ويأوِيْ إليهِ كُلُّ مِسكينِ
واللهِ لا أبتغي صِهْرًا بِصِهرِكُمُ    حتي أُغَيَّبَ بينَ الرَمْلِ والطِينِ
وبقيت بعدها سنة إلي أن ماتت رحمها الله.
مناقب السيدة سكينة رضي الله عنها:
وقد كان للسيدة سكينة رضي الله عنها دور عظيم في المجتمع ، و منزلة كبيرة في الكرم والسخاء ومساعدة الفقراء.
ومما قالت أن عمها الإمام الحسن عاتب أباها في أمها الرباب فرد الإمام الحسين قائلا:
لَعَمْرُكَ إنّني لَأُحِبُّ دارًا تكونُ بها سكينة والربابُ
أُحِبُّهُما وأبذُلُ جُلَّ مالي وليس لِعاتِبٍ عِنْدِي عِتابُ
استشهاد أبيها الإمام الحسين:
خرج الإمام الحسين متوجهًا إلي العراق في ركب قليل كانت معه ابنته وعمرها آنذاك أربعة عشر عامًا، فجمع أهله وقال لهم: يا أم كلثوم وأنتِ يا زينب وأنتِ يا سكينة وأنتِ يا فاطمة وأنتِ يا رباب، إذا أنا قُتلتُ، فلاتشق إحداكن علي جيبًا، ولا تخمش وجهًا، ولا تَقُلْ هُجْرًا (أي لا تقول كلامًا قبيحًا).
فلما سمعت سكينة هذا الكلام أخذها البكاء، وأخذت دموعها تتساقط.
ودارت الأيام، واستشهد الإمام الحسين رضي الله عنه وعادت سكينة إلي الحجاز حيث أقامت مع أمها رباب في المدينة. ولم يمض وقت طويل حتي توفيت «الرباب»، وعاشت سكينة بعدها في كنف أخيها زين العابدين، وكانت قد خُطبت من قبل إلي ابن عمها عبدالله بن الحسن بن علي فقتل بالطائف قبل أن يبني بها، فكانت -رضي اللَّه عنها- ترفض الزواج بعد هذه الأحداث، ولما جاء مصعب بن الزبير يريد الزواج منها تزوجته، ولكن سرعان ما قُتِلَ مصعب.
وكانت السيدة سكينة رضي الله عنها رمزاً لبيت النبوة المشرق ، يضم منزلها المضيء شمل المسلمين لتوثيق قلوب المؤمنين والتعلق بآل البيت، وإشاعة المحبة والمودة.
تحت تلك السلالة المشرقة وانتشرت في جميع بقاع الأرض، ترعاها الألفة، وتتعلق بها قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لتستروح بها أنسام الملائكة الطاهرين، وتستنشق منها عبير أهل الجنة، ويشم فيها طيب رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم في عقبه وذريته المباركين، ونري فيها أحد خليفتين عناهما رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم بقوله إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وسنتي وفي رواية وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض كهاتين، وأشار بأصبعه فآل البيت رضي الله عنهم، هم أمان لأهل الأرض في كل عصر وزمان إلي قيام الساعة.
وفي الثلث الأخير من حياتها كان أكثر اهتمامها تعليم المسلمين، حيث شربت من بيت النبوة أفضل الأخلاق فوُصِفَتْ بالكرم والجود، وأحبت سماع الشعر فكان لها في ميادين العلم والفقه والمعرفة والأدب شأن كبير.
هي أول من دخل مصر من أبناء الإمام علي رضي الله تعالي عنه كما نقله جماعة منهم الزيات وابن زولاق مؤرخ مصر المحقق في القرن الرابع.
ومكثت في دارها بمصر والتي أصبحت بعد ذلك مقاماً ومسجداً لها إلي اليوم، والملاحظ في أكثرية أهل البيت أن تكون بيوتهم في حياتهم هي مراقدهم بعد وفاتهم ولله في ذلك حكمة بالغة.
توفيت السيدة سكينة في الخامس من ربيع الأوّل سنة مائة وسبعة وعشرين.
 وهي موجودة في برزخها الطاهر بالمراغة بقرب السيدة نفيسة بمصر القاهرة – شارع الأشرف الآن.

أضف تعليق

موقع ويب مدعوم بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑